بعض المزامير لاتُطرب
لم أكن يومًا ممن يتعجّل إبداء الرأي ولا ممن يجد لذّته في فرض قناعاته على الآخرين.
كنتُ أرى أن احترام مساحات الحديث فضيلة وأن الإصغاء حتى لما نعرف بطلانه نوعٌ من الرقي لا نقصٌ في الفهم ولا فقرٌ في المعرفة.
جلستُ إلى الكثير فكان أحدهم يسترسل في القول كأنه يخشى أن يُزاح رأيه عن الصدارة.
يتحدث بثقةٍ لا تحتمل الشراكة ويصوغ قناعاته بوصفها حقائق نهائية ثم ينظر إلى كل اختلاف باعتباره جهلًا وإلى كل اعتراض كأنه خروج عن الوعي العام الذي لا يدركه سواه.
كنتُ أستمع وأنا أعلم وأصغي وأنا مدرك وأدع الحديث يبلغ منتهاه رغم أن بعضه معلوم لدي أو واضح الخطأ منذ بدايته.
لم يكن ذلك تسليمًا بل إمهالًا لعلّ في الاسترسال معنى يُلتقط أو فكرة تُنقذ وإن لم يكن فالصمت عندي آنذاك كان أبلغ من الجدل.
غير أن هذا الصمت مع مرور الوقت انقلب من حكمةٍ إلى خطأ غير مقصود.
فقد ظنّ بعضهم أن الإصغاء تصديق وأن الهدوء موافقة فراحوا يوزّعون حماقاتهم في كل اتجاه، مطمئنين إلى أن لا أحد سيقاطع ولا أحد سيُشكّك، ولا أحد سيضع حدًّا لهذا السيل.
صار الكلام يزداد لا عمقًا بل جرأة والرأي لا ينضج بل يتضخم حتى أيقنتُ أن ترك الحماقات تتحدث بحرية نوعٌ من المجاملة الثقيلة لا من الأدب.
عندها ادركت أن المقاطعة حين تُحسن موضعها ليست قلة ذوق بل ضرورة.
وأن كسر الاسترسال أحيانًا فعل وعي لا رغبة في الانتصار.
فليس كل مزمار يُطرب فقد يكون مصدر للضوضاء فقط.





