Slaati
رائد محمد ال شهابرا

الفضيلة الأخلاقية وابعادها

منذ 18 يوم02315

مشاركة

يعد حسن الخلق من أثقل الأعمال وأعظمها عند الله يوم القيامة، وهو ما يدل على مكانته الرفيعة وفضله الكبير في الميزان الإلهي. نلاحظ أن عدد الآيات المتصلة بالأخلاق كبير جداً تعادل تقريباً 11 ضعفاً مقارنه بعدد الآيات المتصلة بالعبادات. بمعنى آخر هناك 1,504 آية في الأخلاق تقابلها 130 آية بالعبادات.

عندما نقرأ في سيرة النبي "صلى الله عليه وآلة وسلم" قبل أن يعلن الدعوة الإسلامية، كان معروف لدي الجميع بالأخلاق الحميدة، وايضاً حينما أعلن الدعوة فكان جميع خصومة يعلمون أنه غير كاذب وهو الصادق الأمين. فكثير من البشر اعتنقوا الدين الإسلامي حينما وجدو أخلاق النبي الأعظم.

ذات يوم، يقال ان رجلاً من الشام وصل إلى مكة ظهراً. رآه النبي "صلى الله علية وآلة وسلم" يتجول في مكة، أتى له النبي وقال: يا هذا لعلك غريب عن أهل مكة، فرد علية: قال "نعم" أنا غريب. فقال الرسول: إذاً تفضل معي إلى الدار على الرحب والسعة.

فالشخص الغريب الذي خرج من الشام مهمته "قتل شخص يدعى محمد بن عبدالله". فقدم النبي الطعام والشراب، فسأله النبي: هل أنت متعب؟ فقال الرجل: نعم، وذهب للنوم.

جلس من النوم، فسأله النبي: يا هذا لماذا جئت إلى أرض مكة، هل أنت في تجارة؟

أجاب الرجل: لا، لست في تجارة، أتيت إلى مهمة وإذا ساعدتني سأكون لك من الشاكرين. مهمتي "قتل محمد بن عبدالله" إذا تعرف مكانة دلني علية. أجاب الرسول الأعظم: هل تعرف مع من تتكلم؟ فقال الرجل "لا". فأجاب الرسول: أنا محمد بن عبدالله.

فندهش الرجل، فقال: أنت "محمد". كيف يقولون إنك كذا وكذا؟!! فقال الرجل الغريب: أتي بيدك "أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله".

في التعليم الحديث، غالباً ما يُقاس النجاح بمقاييس خطية: درجات الاختبارات، ومعدلات التراكمي، وغيرها من البيانات الكمية. هذه القياسات، على أهميتها، تغفل جانباً أعمق من التعليم، ألا وهو بناء الأخلاق والشخصية. ينبغي للتعليم الحقيقي ألا يقتصر على تنمية العقل فحسب، بل يجب أن ينمي الإرادة أيضاً، مُهيئاً الطلاب لاختيار الخير دائماً في كل موقف.

تكمن الفضيلة الأخلاقية في جوهر هذا الخير المُعتاد. الفضيلة الأخلاقية، أكثر من مجرد مفهوم نظري، هي إطار عملي للعيش السليم. إنها تُمثل الأفعال المُعتادة التي تُشكل شخصية الفرد ومسار حياته. يضمن دمج الفضيلة الأخلاقية في التعليم نهجاً أكثر شمولية لتنمية الطلاب، نهجاً يُعزز الحكمة، واتخاذ القرارات الأخلاقية، وتحقيق الذات مدى الحياة.

في كتاب أرسطو "الأخلاق النيقوماخية"، يُميز أرسطو بين نوعين من الفضيلة: الفضيلة الفكرية والفضيلة الأخلاقية. كلاهما أساسيان لازدهار الإنسان، لكن تكوينهما وهدفهما يختلفان اختلافاً كبيراً.

بينما تتشكل الفضيلة الفكرية من خلال التعليم، لا تُكتسب الفضيلة الأخلاقية بنفس الطريقة المباشرة. في حوار أفلاطون "مينون"، يتساءل سقراط عن إمكانية تعليم الفضيلة، مما يشير إلى أنه بينما يمكن نقل الفضائل الفكرية من خلال التعليم والممارسة المتعمدة، فإن الفضائل الأخلاقية تتطلب نهجاً مختلفاً.

تُزرع الفضيلة الفكرية من خلال التعليم والتأمل والتفكير المنضبط. وهي تشمل صفات مثل الحكمة والفهم والمعرفة العلمية، والتي تُطور من خلال التعلم المنظم. يلعب المعلمون دوراً محورياً في هذه العملية، حيث يوفرون أدوات الاستقصاء ويعززون التفكير النقدي، مما يُمكّن الطلاب من البحث عن الحقيقة والانخراط في حوار عقلاني.

ومع ذلك، وكما يُجادل فيجن جورويان في كتابه "رعاية جوهر الفضيلة"، فإن تنمية الفضيلة الأخلاقية تتجاوز التعليم التعليمي. تتشكل الفضائل الأخلاقية، مثل الشجاعة والاعتدال، من خلال الممارسة المستمرة لاختيار الأفعال الصالحة ومن خلال التعرض لنماذج مثالية للعيش الفاضل. بينما تُدرّب الفضيلة الفكرية العقل، تُشكّل الفضيلة الأخلاقية القلب، وتتطلب ممارسةً هادفةً وبيئةً داعمةً للنمو الأخلاقي.

يتجاوز الهدف الأسمى للتعليم مجرد اكتساب المعرفة أو الإعداد المهني. فوفقاً لأرسطو، فإن غاية الوجود البشري هي اليوديمونيا، والتي تُترجم غالباً إلى السعادة أو الازدهار. وتتحقق هذه الحالة من خلال الانخراط في نشاط عقلاني وفاضل طوال حياة كاملة ومرضية، حياة تشمل أوقات الفراغ، والصداقات الهادفة، والمواطنة الفاعلة.

يلعب التعليم دوراً حاسماً في هذا المسعى من خلال تدريب القدرات العقلية للفرد ودعم تنمية الشخصية الأخلاقية. مع أن التعليم الرسمي، أو التعليم المدرسي، ليس الوسيلة الأساسية لتكوين الشخصية الأخلاقية، إذ تقع المسؤولية بشكل أكبر على عاتق التجربة المعيشية والأسرة والمجتمع، إلا أنه يوفر الإطار الفكري والأدوات اللازمة لتسهيل هذا التكوين. ومن خلال تنمية الفضول الفكري وتشجيع العادات الفاضلة، يُصبح التعليم أساساً لحياة تهدف إلى السعادة الحقيقية.

في كتاب "تعليم شعب"، يُحدد مورتيمر ج. أدلر أن هدف التعليم يتجاوز مجرد الإعداد المهني. هناك ثلاثة أهداف أساسية للتعليم: الإعداد لكسب الرزق، والإعداد للمواطنة والمشاركة المدنية، والإعداد لحياة مليئة بالترفيه المُثقف مع التركيز على المساعي الفكرية والفنية والشخصية.

ولتحقيق هذه الأهداف بالكامل، يجب أن يُدمج التعليم تنمية الفضائل الفكرية والأخلاقية، من خلال رعاية الفضائل الفكرية (مثل الحكمة والفهم) إلى جانب الفضائل الأخلاقية (مثل الحكمة والعدالة)، يُؤهل التعليم الطلاب لعيش حياة ذات معنى. هذه الفضائل ضرورية ليس فقط للسعادة الشخصية، ولكن أيضاً للمساهمة في المجتمع كمواطنين مُفكرين ومهنيين أخلاقيين. تكوين الشخصية في الفصل الدراسي يُثمر نتائج أكاديمية ومهنية أفضل.

في حين أن التعليم الرسمي لا يُحدد بالضرورة كيفية تكوين الفرد لشخصيته الأخلاقية، فإن التواجد داخل الفصل الدراسي يُوفر بيئة فريدة لغرس القيم التي تُكمل النجاح الأكاديمي والمهني. تُظهر الأبحاث أن اكتساب "المهارات غير المعرفية" أمرٌ بالغ الأهمية للنجاح في الحياة والعمل. ويشمل ذلك مهارات مثل الحكمة والمثابرة والذكاء العاطفي. فالطلاب الذين يتمتعون بهذه القدرات الشخصية يكونون أكثر عرضة للتخرج من المدرسة الثانوية بمعدل تراكمي أعلى، وأقل عرضة للاعتقال في مرحلة المراهقة، وأكثر عرضة للتخرج من الجامعة.

كما يُشير مشروع أرسطو من جوجل إلى أن الفرق عالية الأداء تفوقت بفضل مهارات شخصية مثل التعاطف والمساواة والذكاء العاطفي - وهي صفات متجذرة في الفضيلة الأخلاقية والفكرية - وليس بفضل القدرة التقنية وحدها.

إن دمج الفضيلة الأخلاقية في التعليم لا يدعم التفوق الأكاديمي فحسب، بل يُنتج أيضًا قادةً يُضفون النزاهة والتعاطف والحكم السليم على حياتهم المهنية والشخصية.

بإعطاء الأولوية لتنمية الفضائل الفكرية والأخلاقية، يُحقق التعليم غايته الأسمى: إعداد الأفراد لكسب عيش كريم، والانخراط بمسؤولية في الحياة المدنية، وعيش حياة كريمة ونبيلة، تُثريها أوقات الفراغ والإبداع والعلاقات الهادفة.

 

 

التعليقات ()

مشاركة

أخر الأخبار

WhatsApp Image 2025-09-12 at 12.26.26 AM.jpeg
مشاركة محمد نور تشعل أجواء نهائي بطولة جدة بحضور جماهيري كبير  ..  فيديو
ماجد محمد
منذ 4 دقيقة
0
1343
WhatsApp Image 2025-09-12 at 12.09.02 AM.jpeg
جدل واسع بسبب أسعار تذاكر مونديال 2026
وكالات
منذ 4 دقيقة
0
1340
WhatsApp Image 2025-09-11 at 6.48.46 PM.jpeg
مختص عقاري: ارتفاع أسعار الأراضي السكنية لا يخدم القطاع العقاري.. فيديو
الرياض
منذ 4 دقيقة
0
1343
WhatsApp Image 2025-09-11 at 9.57.29 PM.jpeg
القفز على الترمبولين: متعة للأطفال وفائدة للعظام  ..  فيديو
أميرة خالد
منذ 5 دقيقة
0
1346
WhatsApp Image 2025-09-11 at 1.11.31 PM.jpeg
لقطة نادرة لطلاب مدرسة "آل عمرة" وهم يصلون الظهر بصحراء الدهناء
خاص
منذ 5 دقيقة
0
1343
إعلان
مساحة إعلانية