Slaati
نايف حمد النعامينا

من الغراب إلى غار حراء… رحلة المعلّم الأول

منذ 3 ساعة01343

مشاركة

يوم المعلّم ليس مجرّد مناسبةٍ للاحتفاء بمهنةٍ شريفة، بل هو احتفاءٌ بالإنسان حين يتعلّم ويعلّم، حين يحمل النور ويورّثه، وحين يُدرك أن التعليم ليس وظيفةً، بل رسالةُ وعيٍ تمتدّ منذ فجر الخلق.
ولأن لكل رسالةٍ بداية، فإن أول درسٍ في الوجود لم يكن في كتابٍ ولا على لوحٍ، بل على أرضٍ حائرةٍ يقف فوقها غرابٌ يعلّم الإنسان معنى الرحمة.
 
المعلّم الأول: الغراب
 
حين قتل قابيلُ أخاه هابيل، وقف أمام الجسد لا يعرف كيف يواريه.
فجاء غرابٌ يبحث في الأرض ليُريه كيف يواري سوءة أخيه.
كانت تلك اللحظة الدرس الأول في تاريخ البشرية — درسًا في الإنسانية قبل أن يكون في الحرفة أو اللغة.
ومنذ ذلك اليوم، صار التعليم فعلًا أخلاقيًا، قبل أن يكون منهجًا أو نظامًا.
 
إدريس وموسى ولقمان: معلمو الحِرفة والحكمة
 
ثم تتابعت فصول التعليم السماوي على أيدي الأنبياء والحكماء:
إدريس عليه السلام أول من خطّ بالقلم وعلّم الناس الحياكة، فوحّد بين عمل اليد وفكر العقل.
موسى عليه السلام تعلّم من الخضر أن للعلم ظاهرًا وباطنًا، وأن الحكمة قد تسكن في الصمت أكثر مما تسكن في الكلام.
ولقمان الحكيم جسّد معنى التربية الأخلاقية، حين قال لابنه: «يا بُنيّ، لا تُشرك بالله إن الشرك لظلمٌ عظيم».
 
تلك الدروس كانت بذور المدرسة الأولى التي خرج منها الإنسان المعلّم، لا المكرّر.
 
اقرأ: أول دستورٍ للتعليم
 
في غار حراء، نزلت أول آيةٍ تُخاطب الوعي لا الجسد:
«اقرأ باسم ربك الذي خلق»
كانت الكلمة الأولى في الوحي نداءً للعقل الإنساني، وإعلانًا أن القراءة عبادة، والعلم سبيلُ نورٍ إلى الله.
ومنها بدأت حضارةٌ جعلت من الكلمة مصباحًا، ومن المعلّم وارثًا للنبوة.
 
من المدارس النظامية إلى نهضة الأمة
 
مع امتداد الحضارة الإسلامية، ازدهرت مؤسسات العلم.
فأنشأ الوزير نظام الملك الطوسي في القرن الخامس الهجري أولى المدارس النظامية في نيسابور وبغداد، لتكون نموذجًا للتعليم المؤسسي المنظّم.
ثم توالت مدارس المماليك في القاهرة، والمدارس المرينية في المغرب، والمدارس الزهرية في الأندلس، لتؤكد أن انطفاء دولة لا يعني انطفاء المعرفة، وأن المعلّم ظلّ النبوّة في كل زمانٍ ومكان.
 
من غار حراء إلى الأحساء: اكتمال الدائرة
 
مع بزوغ فجر الدولة السعودية الثالثة، عاد النور إلى القلم.
ففي عام 1343هـ (1925م) تأسست في الأحساء مدرسة النجاح الأهلية على يد الشيخ حمد بن محمد النعيم، كأول مدرسةٍ أهليةٍ في المنطقة.
وفي عام 1348هـ (1930م) زارها الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود بنفسه، مؤكدًا أن التعليم هو أساسُ بناء الدولة الحديثة، وأن المدرسة ليست جدرانًا بل وعدٌ بالنهوض.
 
المدرسة الأميرية: مهد القادة والمبدعين
 
ثم وُلدت في الأحساء المدرسة الأميرية، أول مدرسةٍ نظاميةٍ في المنطقة، لتعلن مرحلةً جديدة في مسيرة التعليم الحديث.
على مقاعدها جلس أطفالٌ صاروا رموزًا في سماء الوطن، ومن بينهم صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل، الذي درس فيها صغيرًا قبل أن يغدو شاعرًا وأميرًا ومثقفًا يقود الكلمة والفكر.
كانت المدرسة الأميرية جسرًا بين التعليم التقليدي والتعليم المؤسسي، بين الحبر والنهضة، وبين الكلمة والحلم.
 
الغراب: أول معلم في سجل الإنسانية
 
وهكذا تكتمل الرحلة من الغراب إلى غار حراء، ومن الأحساء إلى آفاق المملكة.
تتبدّل الأسماء، لكن تظلّ روح التعليم واحدة: أن المعرفة لا تُختصر في الكتاب، ولا تُقاس بالشهادة.
فأول من علّم الإنسان لم يكن بشرًا، بل غرابًا أراه الله كيف يواري سوءة أخيه.
علّمه الكرامة قبل القراءة، والرحمة قبل الكتابة، فكان الغراب أول معلّمٍ في سجل الوجود.
ومنذ ذلك اليوم، صار التعليم فعلًا للضمير قبل أن يكون مهنة للعقل، وصار المعلّم امتدادًا لتلك اللحظة الأولى التي استيقظ فيها الإنسان على درس الحياة.

التعليقات ()

مشاركة

أخر الأخبار

توتنهام يدرس ضم إيفان توني
توتنهام يدرس ضم إيفان توني
الرياض
منذ 46 دقيقة
0
1403
إقالة مدرب المنتخب البرازيلي للشباب
إقالة مدرب المنتخب البرازيلي للشباب
برازيليا
منذ 46 دقيقة
0
1400
633dacba-a768-4578-9af6-9a0547270cbc.jpg
أشكناني: يوسف أكتشيشيك مهم لمنظومة إنزاغي .. فيديو
الرياض
منذ 47 دقيقة
0
1396
المرور يضبط أكثر من 6 آلاف دراجة آلية مخالفة بعدة مناطق .. صورة
المرور يضبط أكثر من 6 آلاف دراجة آلية مخالفة بعدة مناطق .. صورة
الرياض
منذ 48 دقيقة
0
1385
de3f6d72-a93b-4132-bc99-fda4fa1a6f1a.jpg
بن نحيت: اللجنة الوطنية هدفها إيصال صوت صناع المحتوى.. فيديو
الرياض
منذ 51 دقيقة
0
1395
إعلان
مساحة إعلانية